عرض: يسر مهند سري
انا من جيل لايعر اهمية للكتاب،في خضم موجة الانترنيت ومواقع التواصل
الاجتماعي،حتى الكتب التي تتداولها لاتلفت نظري ،ولاتحفزني على قرائتها. انظر في
مكتبة والدي، واتساءل مع نفسي :ماسر حرصه على الاحتفاظ بهذه الكتب التي اصفر
ورقها، وتهرأ جلادها؟.. انها تشغل حيزا من البيت، ومنظرها لايسر،هكذا ارى، ثم هي
اشبه بركام غطته الاتربه، كم اتردد من سحب كتاب فيها، بقصد التنظيف لاغير، خوفا من
الزواحف المقززه التي تجد موطنها خلفه، كما تستقر بين دفتيه الأرضه لترسم فيه
مساكنها. لماذا ابي يبقي على هذه الكتب وقد قرأها مرات ومرات؟.. ثم يأتيني
صداه،وهو يحكي لي قصة هذا الكتاب وذاك، مستشهدا ببيت المتنبي الذي طالما يردده:
اعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ثم يقطع علي خلوتي ليقول لي:
لاتنظري الى الورق والغلاف، وتمعني ب العوالم التي خلف كل كتاب. ضحكت وانا امازحه
،لكن الجرذ حين يقرضها لايبحث عن هذه العوالم!!. وفي هذه الاثناء لفت انتباهي كتاب
،كان خارج المكتبة ،قلت لوالدي :كتاب جديد،اليس كذلك؟.. فأجابني: لا،وانما استعرته
من صديق، جلبه من القاهرة في زيارته الاخيرة، معقبا انه صدر عام ٢٠٠٧، لكن لا أدري
لماذا لم اره في شارع المتنبي، ولامكتبة هاشم الرجب في الباب الشرقي؟ طلبت منه ان
اتصفحه، وانا ارى فيه مراد غايتي، لأقدم قراءه فيه لأستاذتي الدكتوره وفاق حافظ،
التي كلفت طلبة الصف الرابع صحافة، بالكتابه في هذا الشأن.
البداية وقفت قليلا على
الغلاف، وتفحصت عنوان الكتاب:"تربية العنصرية في المناهج الاسرائيلية"،و
تغلغلت في دواخل العقل الباطن، وعقدت مقارنة للملاحقة المستمره في الاعلام الغربي
على المناهج الدراسيه في العراق والاقليم العربي والاسلامي ،والمحاولات المحمومه
لتغييره تبعا للسياسه التي تفرضها الهيمنه الاجنبية، لكن لم اجد جوابا لاهمال
المناهج التي تدرس في الكيان الصهيوني، برغم الحس العنصري الذي يرسخ في ذهن
اليهود. قطعت سلسلة افكاري، وانا اشعر برغبة في القراءه، واحاول ان اكون محايدة في
ما أقراء. المؤلفة هي الدكتورة المصرية صفا محمود ،والكتاب نشر الدار المصرية
اللبنانيه_القاهرة. توطئة كثيرة هي المسائل التي اشار اليها هذا الكتاب، النظرة
الى العرب، تفوق العنصر اليهودي ،النقاء العرقي اليهودي، التمييز بين اليهود وغير
اليهود، التمييز بين اليهود الغربيين والشرقيين، اضطهاد اليهود في اوربا، وقد جمعت
المؤلفة هذه المسائل في عدد من الفصول، مستعينه بأقتباسات من الكتب المنهجيه
الاسرائيلية. واحدة من المواضيع التي شدتني الى الكتاب شدة الترابط بين هذه
المسائل الموزعة في فصول ،ذلك ان دولة الاحتلال الاسرائيلي ،مشروع صهيوني، اي
مشروع سياسي قائم على ايديولوجيا دينيه والتعليم وسيله اساسية في تنفيذه ،لان
لمناهج الدراسة وظيفتين تعليمية وتربوية ،واذا كانت الوظيفه التربوية تسعى الى
تنشئة الاولاد على محبة الوطن والخير والجمال كما في العراق ودول العالم ،فأن
الوظيفه التي تحملها المناهج الاسرائيليه تسعى الى ترسيخ المبادىء اليهوديه في
النشىء اليهودي الجديد، وهو ماركزت عليه في كتب التاريخ خاصه، اذ ربطت بين اليهود
في الحاضر واليهود في التوراة ،وبذلت جهدها لترسيخ هذا الرابط ليكون يهود اليوم
ورثة يهود الماضي .
وفي هذا الاطار،عدت ان دولة الاحتلال الحالية هي اعادة ترميم
لدولة الاحتلال القديمة، وهي محاولة بناء الشخصية الاسرائيليه على قاعدة الانتماء
الى التاريخ اليهودي، الذي يضم في طياته الحركة الصهيونية بمنظورها المحوري بين
الاعتزاز بالعرق السامي الذي يشكل الدم اليهودي وحده، بحسب معتقداتهم ،وبين
الاضطهاد الذي يحرك النقمة فيهم والاستعداد للدفاع عن الكيان الصهيوني واستباحة
الدم الفلسطيني. وركزت هذه التربية على المراحل الابتدائيه ،لان التلاميذ فيها
يتعلقون بالمعلومات بذهن فارغ، فلا يسألون عن صحتها عند تلقيها،ثم تتحول مع الزمن
الى اسس يبنون عليها تفكيرهم ،وهذا ماتعتمده الانظمة العقائدية في العاده.
المبادىء التي يحملها الكتاب المنهجي من المبادىء التي يحملها الكتاب المنهجي،
ويعد بمثابة ترسيخ لدعائم الدولة الصهيونية، "ان اسرائيل، هي ارض الاباء والاجداد"،
وان واجب اليهود اليوم هو "تحريرها" من "المحتلين"، وهكذا
يتحول الفلسطيني المغتصب ،في نظر الاسرائيلي "محتل" و"معتدي"
ويصبح الاسرائيلي هو المحتله ارضه والمعتدى عليه، ومادام الفلسطيني
"محتلا" فلا بد من تصويره بصورة العدو ونعته بأبشع النعوت، وهذا يستدعي شحن
النفوس اليهودية بالحقد عليه ،ثم توسيعه ليشمل العرب الذين يدعمونه ويؤيدونه.
الحط
من العرب تشير المؤلفه الى الالفاظ المسيئه للعرب التي تزخر بها الكتب المدرسية
الاسرائيليه، وهي جزء مترسخ من العقلية الصهيونيه التي تنعت العرب ب
"الافاعي" وتحط من قدرهم ،فيما ترفع من شأن دولة الاحتلال ،وتصور الغزو
اليهودي، بصورة الانسان القادر ،المتميز، المتفوق، مستنده في ذلك الى النص
التوراتي "شعب الله المختار" الى جانب الايحاء بتخلف العرب مقابل التمدن
الاسرائيلي. ولعل هذه الجمل البسيطه تأخذ مكانها في ذاكرة التلاميذ ليبنوا من
خلالها تصورهم للعرب، مايرسخ الفارق بين الاسرائيلي والعربي، ومن الجمل التي
ساقتها المؤلفه بهذا الشأن "ان العرب مستعدون لكل اعمال اللهو والشغب"
و"انهم متوحشون" و "بدائيون". العنصرية ودولة الارهاب مما
تقدم، يتضح ان مسألة التربيه العنصرية ستبقى سائدة في المناهج الاسرائيلية ،ومن
الغريب ان الدول العربيه قد انصاعت لتوجيهات امريكا والغرب بتغيير مناهجها
التدريسية ،ليس بنية التطوير وانما ردا على تهمة "الارهاب" التي تلاحقنا
كعرب ،ومسلمين فيما تلتزم هذه الدول الصمت ازاء مناهج التدريس الاسرائيلية و
عنصريتها الظاهرة. لعل ،نظرية المنتصر هو الذي يكتب التاريخ والقانون للاقرى تسلل
الى نفوسنا كأمة كانت في يوم ما خير امة اخرجت للناس ،لكنها اصبحت غثاء كغثاء
السيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق