آخر الأخبار

2020/12/17

مفهوم التربية الاعلامية الرقمية


ورقة بحثية لطالب الماجستير : علي ياس      كلية الاعلام / الجامعة العراقية

مقدمة

       
 تغلغل الاعلام الرقمي في جميع مفاصل حياتنا اليومية حتى أضحى مصدرا اساساً لمعلوماتنا, يصنع أراءنا, ويغدي خيالنا, ويعيد تشكيل واقعنا, فترك –رغم بعض ايجابياته- أثاراً خطيرة على المستويين الفردي والجماعي ليشكل ظاهرة تهدد منظومة القيم والاخلاق السائدة, فضلا عن اثاره المستقبلية وهو ما دفع لضرورة البدء باجراءات لتحصين النشئ وتربيتهم على استثمار وسائل الاتصال الرقمي وتجنب مخاطرها عبر تطوير مهاراتهم ونشر المبادئ التي تقودهم لاكتساب الحس النقدي الايجابي الذي ينأى بهم عن التعاطي السلبي معها, لذا فان التربية الاعلامية الرقمية ليست ترفاً بل هي موضوع ملح وضرورة قصوى في ذوء ما تمر به مجتمعاتنا من تحديات ومخاطر, وهو ما سنتطرق له في هذه الورقة البحثية.

أولاً : نشأة التربية الاعلامية 
ظهر مفهوم التربية الاعلامية اواخر الستينات من القرن الماضي "كوسيلة تعليمية" اذ ركز الخبراء على امكانية استخدام ادوات الاتصال ووسائل الاعلام لتحقيق منافع تربوية ملموسة, وبحلول السبعينات من ذات القرن بدأ النظر الى التربية الإعلامية على انها "مشروع دفاع" هدفه حماية الاطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الاعلام فانصب التركيز على كشف الرسائل المزيفة والقيم غير الملائمة, الا ان هذا المفهوم تطور في السنوات الأخيرة ليتحول بالاضافة الى ذلك الى مشروع تمكين يهدف الى اعداد الشباب لفهم الثقافة الاعلامية التي تحيط بهم, وحسن الانتقاء والتعامل معها والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة(1) ورغم ان اليونسكو دعت الى تدريس مفهوم التربية الاعلامية منذ عام 1982, إلا انه وصل المنطقة العربية متأخرا, فبدأ التفاعل معه بشكلٍ متنام انطلاقا من لبنان حيث تم طرح هذا المفهوم وتعميمه على الجامعات وبعض المدارس بالتعاون مع اليونسكو, كما دخل منهاج الدراسات العليا في العراق والدراسة الجامعية في عدد من الدول العربية, فيما شهد عام 2005 خطوة سعودية متقدمة بعد ان قدمت دراسات تربوية لدمج التربية الاعلامية في مدارسها واشراك المدرسين والمعلمين في دورات في كليات واقسام الاعلام في الجامعات وكذلك قطر التي احتضنت بعض المؤتمرات الخاصة بالثقافة الاعلامية(2) .

ثانيا : التربية الاعلامية والاعلام التربوي
تهدف التربية الإعلامية إلى تدريس طبيعة وسائل الإعلام وليس التدريس باستخدام وسائل الإعلام، بالتالي لا يجب أن نخلط بين التربية الإعلامية وبين تقنية التعليم, فقد عانى مفهوم التربية الاعلامية –وما يزال- من الخلط والتداخل بينه وبين مفهوم الاعلام التربوي والاعلام التعليمي وتركيز التعريفات التقليدية على التعليم بواسطة الاعلام, وغياب ذلك التركيز على المتلقي للاعلام ودوره التفاعلي, فالاعلام التربوي "نمط اعلامي معلوماتي يتم عبر وسائل الاعلام المختلفة ويعطي جل اهتمامه لمجال معين من مجالات المعرفة, يتوجه الى جمهور عام أو خاص مستخدما مختلف فنون الاعلام معتمدا على المعلومات والحقائق والافكار المتخصصة التي يتم عرضها بطريقة موضوعية عن طريق كوادر اعلامية مؤهلة اعلاميا ومتخصصة أكاديمياً", أما التربية الاعلامية لا يمكن حصرها بالمؤسسات التربوية والتعليمية لأن نجاحها يتطلب تكامل الانظمة الرسمية - مدرسة واسرة ومؤسسات اعلامية ومؤسسات مجتمع المدني- والانظمة غير الرسمية في تحقيق اهدافها(3).

ثالثاً : التربية الاعلامية والتربية الرقمية
تعرف التربية الاعلامية بأنها "فهم الجمهور لآلية عمل الاعلام والكيفية التي يؤثر بها على حياتنا, وطريقة استخدامه بصورة حكيمة وايجابية", وهي تشمل القدرة على الوصول الى المعلومات وتحليل الرسائل وتقويمها وبما يجعل الأفراد قادرين على فهم طبيعة وتقنيات وتاثيرات وسائل الاعلام ومحتوياتها, واكتساب مهارات استخدام وسائل الاعلام والاتصال, والقدرة على اختيار مضامينها وتفسير رسائلها وتنمية المهارات الساسية للتساؤل النقدي وتشكيل وعي اعلامي ناقد يكون بمثابة مناعة مضادة لمخاطر وافرازات وسائل الاعلام(4), أما التربية الاعلامية الرقمية فتعني "مجموعة القواعد التي تحدد المهارات والسلوكيات الخاصة بالتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمطورة، وخلق توأمة ودمج بين القيم التربوية المجتمعية التقليدية والعالم الرقمي لاجل مواكبة المستجدات على الساحة العالمية وايجاد درجة متقدمة من الوعي بها(5).

رابعاً : مستويات التربية الاعلامية 
تختلف دول العالم في تعاطيها مع التربية الاعلامية تبعا لمراعاة كل منها لمقوماتها وكالاتي (6) :
1- دول متقدمة في هذا المجال وضعت أسسها ومناهجها، وأعدت المعلمين ودربتهم، ووفرت المصادر التربوية لتعليمها،  مثل بريطانيا، واسكتلندا، وكندا، وأغلب دول أوروبا.
2- دول بها التربية الإعلامية غير منتظمة اي توجد بها الأسس لكن لم تتوفر مواد التدريس، أو يوجد بها معلمون لكن لا يتوفر بها الإطار المنهجي للتدريس، مثل إيطاليا، وايرلندا، والهند، والفلبين، وأستراليا.
3- دول وجدت بها احتياجات وليدة للتربية الإعلامية من خلال بعض التغيرات السياسية والاجتماعية كالرقابة والسيطرة على الإعلام مما أوجد حاجة لها مثل دول الُكتلة الشرقية، وبعض دول الشرق الأوسط.
4- دول توجد بها التربية الإعلامية خارج النظام المدرسي يتم فيها تقديم التربية الإعلامية لملئ الفراغ في برامج الشباب والجماعات غير الحكومية ودور العبادة، والجماعات النسائية، مثل أمريكا ودول العالم الثالث.

خامسًا : اهداف التربية الاعلامية الرقمية
تتعدد أهداف التربية الإعلامية نتيجة لتنوع معاييرها, ونظرياتها, ومن ابرز تلك الأهداف(7) .
1- حماية النشئ والشباب من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام ومضامينها المختلفة .
2- تنمية مهارات التفكير الناقد والمشاهدة الواعية واكتساب المبادئ الأساسية لتحليل وتفسير ونقد كل ما يُقدم من مضامين إعلامية ذات أهداف مقصودة وغير مقصودة.
3- دعم الهوية الثقافية وتكوين جيل قوي منتج ومبدع يُساهم في تنمية بلاده, عبر إمداده والمعارف لفهم الأيدولوجيات الخاصة بوسائل الإعلام, وتزويده بالثقافة الإعلامية الهادفة لحصر ونقد ما يُشاهد ويتلقى.
4- اكساب الخبرات اللازمة لمساعدتهم على الاستخدام الأمثل لوسائل تكنولوجيا الاتصال ومواكبة التطورات المستمرة بل والسريعة في المجتمع المعلوماتي المُحيط بنا.
5- تحويل الجمهور من الاستهلاك السلبي لوسائل الإعلام, الى الاستهلاك الايجابي والانتاج الواعي بحيث يكونوا قادرين على التعبير عن افكارهم بواسطة وسائل الاعلام.

أخيراً ..
قدر تعلق الأمر بالعراق, يرى الباحث, انه ما يزال بعيداً جدا عن هذا الأمر, ذلك لان الخطاب الرسمي حول مفهوم التربية الاعلامية والتربية الاعلامية الرقمية ما يزال غائباً -أو مغيبا- رغم التحديات والمخاطر التي تفرضها البيئة الرقمية, لاسيما مع وجود فجوة رقمية هائلة تستوجب وعياً ضرورياً وإجراءات عاجلة لتحصين النشأ وإكسابه الوعي اللازم, فتدريس مادة التربية الاعلامية في المستويات الجامعية ليس كافياً بالتاكيد مع غياب الخطط العلمية والمنهجية الاستراتيجية والتدابير الاجرائية, وهو ما يتطلب ممارسة ضغط أكبر من قبل المجتمع المدني والمؤسسات العلمية والاكاديمية للتوعية بمفهوم التربية الاعلامية الرقمية كونها أحد الحقوق الاساسية التي ينبغي ان تضمنها الحكومات ومؤسساتها .

المراجع:

(1) فهد بن عبد الرحمن الشميمري, التربية الاعلامية كيف نتعامل مع الإعلام, (الرياض: دار اقرأ الدولية, 2010م), ص19 .

(2) فاضل محمد البدراني, التربية الإعلامية والرقمية وتحقيق المجتمع المعرفي, لبنان, المستقبل العربي, المجلد39, العدد452, 2016م, ص135 .

(3) نوف بنت رغش بن سعيد القحطاني, الاعلام التربوي ودوره في تفعيل مجالات العمل المدرسي في المملكة العربية السعودية, رسالة ماجستير،غير منشورة, المملكة العربية السعودية ، جامعة الملك سعود، كلية التربية ، قسم الادارة التربوية، 2008م ، ص34 .

(4) فاتن بن لاغة, رضوان سلامن, التربية على الاعلام الرقمي في سياق التحولات التكنلوجية الحديثة وتطبيقاتها,الجزائر, المجلة الدولية للاتصال الاجتماعي, المجلد 6, العدد 2, 2019, ص54 .

(5) حسن سعد, جميل محي, التربية الرقمية, مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ,2019, ينظر الى https://www.alnahrain.iq/post/478 .

(6) احمد جمال حسن, التربية الاعلامية, (القاهرة: دار المنيا للمعرفة, 2015م), ص75 .
(7) محمود عبد العاطي مسلم وآخرون, تنمية الوعي بالتربية الإعلامية في ضوء المعايير الأكاديمية,  بحث مستل من رسالة  دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية,مصر, جامعة بنها, 2017, ص11 .

هناك تعليقان (2):