آخر الأخبار

2017/09/23

حكايتي... معاناة

 منْ غَيَر آلُمتٌۆقَع آگۆنْ هنا؛ هكذا احببت أن أروي حكايتي، فقد يمر أي شخص بظروف قاسية وصعبة في حياته، لكن مثل الذي مررت به في حياتي قد يكون شيئا مستحيلا وتحولا كبيرا لم يخطر على بال أحد، حيث كنت أقضي أجمل أوقاتي في مدينتي الفلوجة مع عائلتي وأصدقائي، كنت انظر إلى الحياة من باب السعادة والنجاح، لكن في نهاية عام 2014  ا(لذي أطلقت عليه عام نهاية الأحلام) فعلى حين غرة وبشكل مفاجئ دخل إلى مدينتي الحبيبة أم المساجد، غرباء العصر ووحوش الليل، لم أر مثلهم طيلة حياتي، إذ جاءوا و باسم الدين ليقتلوا الفقراء من أبناء مدينتي، لا أعرف كيف أصفهم، اشكالهم غريبة، وسلوكهم أغرب، تصرفات وحشية لدرجة أنك تسمع صراخ الأطفال في وقت متأخر من الليل لشدة الخوف والرعب داخلهم، إنهم وحوش الليل (داعش الملعون) الذين جاءوا باسم الدين وأغروا الناس بتقوى مزيفة، يتاجرون بالدين والدين منهم براء، خدعوا الناس بشعار انقاذهم من المليشيات، وباسم المظلومية التي نادوا بها مرارا وتكرارا، فقد وعدونا بالخلاص والانقاذ من الظلم، بالادعاء إنهم سيحاربون القتلة والمجرمين والفاسدين لتخليص الفلوجة من ظلم حل بها، هكذا بدأت حكاية مدينتي المأساوية ... حيث اشتعلت نار الحرب بين الطرفين؛ داعش الملعون والجيش يرافقه الحشد الشعبي، وحين اشتعلت الحرب أصبح الأطفال والنساء والشيب والشباب في هذه المدينة وقودا لها، فاحترق الأخضر واليابس وعم الدمار كل شيء فأصبحت المنازل ركام وحطام، فهذا هو عنوان أي حرب، وقفت حائرا أنظر الى ما آلت إليه مدينتي الجميلة، التي تحولت إلى أثر بعد عين فاشتعلت بيوتها، وامتلأت الشوارع والمستشفيات بجثث الأبرياء من مدينة المساجد، وهنا وجدت نفسي وأهلي بين نارين؛ نار الخروج من مكان ولدت وتربيت فيه وعشت فيه حياتي بأفراحها و أحزانها، ونار البقاء فيها تحت رحمة أوباش العصر (الدواعش)  وأعوانهم، ونار الحرب الملتهب أوارها وهي تأكل مدينتي، وبين أن أبقى أعزي وأواسي الحجر والشجر قررت الخروج منها بأقل تضحيات، وأنا أكفكف دموعي حرقة وألماً وقلبي يتفطر على كل شيء فقدته، لتبدأ صفحة جديدة حيث أصبحت لي هوية جديدة تحمل صفة نازح أو مهجر في وطن أصبح فيه القاتل يصول ويجول، وأصبح يوزع الشرف على مقياسه وهواه، فهربت من القتلة لألوذ تحت رحمة اللصوص والمفسدين فكنت كالمستجير بالرمضاء من النار، وأصبح يصدق عليّ قول الشاعر ( كنت أخشى عضاض الأفاعي وأنا اليوم تحت عضاض العقارب) وفي هذا العنوان (النازحين) بدأت رحلة المتاعب والإذلال، فبعد الخروج من المدينة قضيت عامين خارج مدينتي من أصعب ما مر في حياتي، ولم تصل إلى مسامعي سوى أخبار الدمار والخراب وقتل الأبرياء في مدينتي، وفي نفس الوقت كنت أتبع أخبار أولئك الذين رفعوا شعار قادمون يا بغداد، فالعجيب انهم لاذوا بالفرار إلى اسطنبول وعمان ليتحولوا من قادة مظاهرات واعتصامات إلى متسكعين على بحيرات وشواطئ العار والذل في أوربا، وتمر الأيام والشهور لتدخل السنة الثالثة وفي كل يوم تصيبني صعقة الفقدان إذ تصل إلى مسامعي أخبار فقد الأحبة والأصدقاء، والأغرب والأكثر قساوة على قلبي أنني تلقيت اتصالا من أقرب الناس إلى قلبي وممن كنت أقضي معه أجمل لحظات عمري حيث كان أحب الناس إلى قلبي، في وقت متأخر من الليل ليتصل بي من داخل المدينة وهو يستغيثني من أجل العودة الى المدينة ليودعني للمرة الاخيرة, وقد كان بينه وبين الموت دقائق لينقطع الاتصال فجأة, وتنقطع مع انفاسي ألما وشوقاً إلى رؤيته، فاتصلت به ويدي على قلبي ليرد أحد أقاربي ويخبرني أن (علي) اتصل بك وكان آخر كلامه في الدنيا معك، فقد انتقل إلى رحمة الله، فحمدت الله واسترجعت لتكون حياتي بعد هذا الاتصال جسدا بلا روح، وتصبح حياتي مظلمة بعتمة فراق من أحببت، وغادر الفرح والسعادة من قاموسي فابتعدت عن أي شيء مفرح وسعيد، فإما أن اختار ميتة المنتحر وإما أتحول إلى ممثل بارع ابتسم وأوزع الفرح والابتسامة الزائفة على الآخرين، لكن الأسى والحزن يقطع قلبي، وهذا حالي وحال كل من فقد داره وذكرياته، نهايات يصنعها القتلة المجرمين وليس لنا حول ولا قوة, وليس لدينا الحق في امتلاك السلاح لمقارعتهم وانتزاع البسمة والفرح من جديد، اليوم قررت أن أعود إلى مدينتي العزيزة بعد ثلاثة سنين عجاف لأقبل ترابها وركامها والحجر، وأزور قبور أحبتي وقبر صديقي العزيز علي، عدت إلى الفلوجة لأن انتمائي لها مصدر قوتي وسعادتي، ولن أرض بغير ذلك، عدت لأحكي لها آلام غربتي واسمع أنينها من ظلم الظالمين، عدت إلى منزلي لأحدثه كيف قلّ مقداري بعد ترك داري، وسأسمع منه تفاصيل عاشها لوحده تحت وحشية القصف وأزيز المفخخات وصوت الطائرات، سأخبركم بقصص الصمود في مدينتي  لنكتب ديوانا جديدا نستذكر الشهداء والشرفاء، ونلعن الخونة والمرتزقة وفاقدي الضمير، لنبدأ حياتنا الجديدة بلا ذكريات وبلا أصدقاء.

 مروان عبد محمود العنزي

"المقال يعبر عن راي كاتبه"