اعداد طالبة الماجستير/ انوار فاضل كريم
المقدمة
ترتبط
قوة المجتمعات في الخارج من قوتها في الداخل وتعد القدرة على حماية قيم وعقول أفرادها
في هذا العصر التكنولوجي والمعرفي الفياض أهم معالم القوة في الداخل فقد فقدت الدول
قدرتها على السيطرة الكاملة للبث المباشر والتصدي للبث الإعلامي الخارجي والاكتساح
الثقافي الاجنبي بعد ان ساعدت شبكة الانترنيت على الغزو الثقافي وتهديد كثير من الثقافات
الوطنية , أحدثت التكنولوجيا اليوم انصهارا للصوت والصورة فأصبح من الصعب التفريق بين
الوهم والواقع وبين الحقيقة والخيال وبين ما هو إخلاقي وما هو غير ذلك فغابت اسس بناء
التربية الإعلامية المميزة
وقد ظهرت
الحاجة إلى التربية الإعلامية و أصبحت مطلبا ملحا لتنمية المواطنة الواعية المسؤولة
والفعالة والمساهمة النشطة الشاملة في صنع الحضور الوطني لأنها تحتوي على مجموعة من
المهارات كالتفكير الناقد والإبداعي و العلمي الذي يمكن المتلقي من بناء احكام مستقلة
عن المضامين الإعلامية وإنتاجها
كما ان
التربية الإعلامية مطالبة بمتابعة سلوكيات الطلاب داخل المؤسسة التعليمية وخارجها وهي
بذلك تنمي عدة مظاهر سلوكية للمسؤولية الاجتماعية
وذلك من خلال التأكيد على الحفاظ على المؤسسة التعليمية بمبناها ومعناها والمحافظة
على سلوكيات طالب العلم ([1]).
مفهوم التربية الاعلامية
ويقصد
بالتربية الإعلامية وفقا للرابطة الأمريكية (هي القدرة على استخدام المعلومات التكنولوجية
لانتاج و تقييم المحتوى الاتصالي والتي تحتاج إلى مهارات ذهنية وتقنية )
وعرفت الرابطة القومية للتربية الإعلامية بأنها
( القدره على وضع الرسالة في كود وفك كود الرسالة الإعلامية والقدر على فهمها وتحليلها
وإنتاج رسائل مشابهة) ([2])
نشأة التربية الإعلامية:
ظهر مفهوم التربية الاعلامية اواخر
الستينات من القرن الماضي كوسيلة تعليمية ركز الخبراء على امكانية استخدام ادوات الاتصال
ووسائل الاعلام لتحقيق منافع تربوية ملموسة، وبحلول السبعينات من ذات القرن تغيرالنظر
الى التربية الإعلامية الى مشروع دفاع هدفه حماية الاطفال والشباب من المخاطر التي
استحدثتها وسائل الاعلام فانصب التركيز على كشف الرسائل المزيفة والقيم غير
الملائمة، الا ان هذا المفهوم تطور في السنوات الأخيرة ليتحول بالإضافة الى ذلك
الى مشروع تمكين يهدف الى اعداد الشباب لفهم الثقافة الاعلامية التي تحيط بهم،
وحسن الانتقاء والتعامل معها والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة ([3]).
أهمية التربية الإعلامية:
تتلخص بالنقاط الاتية :-
1- وجود التربية الاعلامية بات امرا ضروريا وذلك لبث وسائل
الإعلام مضامين غير هادفة لها أيدولوجيات خاصة لا تخدم مصالح النشء والشباب, وقد
يؤثر سلباً على معتقداتهم وخلفياتهم المعرفية والثقافية.
2- أصبحت الحاجة ملحة لوجودالتربية الاعلامية كدرع واقي يحمي الأطفال والنشئ والشباب من
التلوث الإعلامي المُقدم في ظل التطور الهائل والزخم الإعلامي لكل وسائل الإعلام
بأنواعها المتباينة وأيضاً لوسائل تكنولوجيا الاتصال والوسائط التقنية في المجتمع
المعلوماتي
3- أصبح من الضروري وجود التربية الإعلامية للتخلص من تلك
الشوائب الضارة الهدامة في ظل التراكم القوي والمؤثر للمضامين الإعلامية وكل
الرسائل المُقدمة.
4- التربية الإعلامية وسيلة هادفة لتحقيق الاتصال الفعال
بين كل الأطراف ( الشباب – الوسائل – المضامين) لتحقيق الفهم الواعي والإدراك السليم.
5- التربية الإعلامية كالمؤسسات التربوية تُعَلِمْ لنقرأ
وتُعَلِمْ لنراقب وتُعَلِمْ لنستمع بحرص وحذر.
6- تُنمي التربية الاعلامية لدى النشء والشباب التفكير
الناقد والإبداع للتعرف على شخصياتهم المختلفة واستكشاف ما بداخلها.
لذلك اضحت التربية
الاعلامية تُمد الشباب بالمهارات والخبرات اللازمة لاتخاذ قرارات هامة في حياتهم
للاستفادة منها في الحاضر ويعبروا بها إلى المستقبل ([4]).
من
اهداف التربية الإعلامية هو تطوير مهارات طرح الأسئلة والتفكير النقدي الضروري لفهم
الرسائل الإعلامية و تأثير وسائل الإعلام وبالنظر إلى الامكانيات التي توفرها الوسائط
الرقمية على صعيد التواصل و إنتاج المحتوى الإعلامي ينبغي توجيه اهتمام خاص إلى تنمية
المهارات والتعبير اي تطوير المهارات اللازمة لكتابة رسائل إعلامية واضحة وفعالة عبر
الوسائط الرقمية المختلفة
أن الغرض
من تعلم الثقافة العلمية هو مساعدة الأفراد من جميع الأعمارعلى تطوير عادات الاستقصاء
ومهارات التعبير التي يحتاجون إليها كي يصبحوا مفكرين وناقدين ومواطنين فاعلين في عالم
اليوم وتمكن الوسائط الرقمية المواطنين من أن يكونوا أكثر نشاطا وتفتح أمامهم آفاقا
واسعة لمشاركة أفكارهم وارائهم مع الآخرين وهذه الطفرة على صعيد فرص التواصل والمشاركة
ينبغي أن يصاحبها أيضا قدرة متزايد من المسؤولية التي يتحملها الأفراد بوصفهم مشاركين
في ثقافة وسائل الاعلام من حيث القدرة على التواصل بطريقة فعاله ونقدية ومسؤولة اجتماعيا
وهذا هو التحدي الكبير الذي يقع على عاتق القائمين على التربية الاعلامية وتعليم الثقافة
الرقمية في المدارس ([5]).
اهمية التربية الاعلامية الرقمية
لم يعد كافيا الاهتمام فقط بالتربية الإعلامية الخاصة
في وسائل الإعلام التقليدية سيما مع ظهور تكنولوجيا الويب وما نتج من مواقع التواصل
الاجتماعي و المدونات وغيرها ثم تكنولوجيا الويب وما نتج عنها من تطبيقات و كان لابد
من الاهتمام بالتربية الإعلامية الرقمية حيث اهتم عدد كثير من الباحثين بالتربية الاعلامية
الرقمية وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها انتشار استخدام هذه المواقع والتطبيقات بين
جميع فئات المجتمع وخاصة الشباب وسهولتها وسرعتها واستخدامها في جميع مناحي الحياة
وتأثر الجمهور بها ولحماية المستخدمين من الأخبار والمعلومات المظللة بها ولان المستخدم
لم يعد مستهلكا للمحتوى الإعلامي فقط عبر هذه المواقع لكن وأيضا منتجا لذلك المحتوى
([6]).
ان
لوسائل الإعلام تأثيرا واضحا في التكوين المعرفي للأفراد من خلال عملية التعرض طويلة
المدى لوسائل الإعلام كمصادر للمعلومات فتقوم باجتثاث الأصول المعرفية القائمة لقضية أو لمجموعة قضايا
لدى الأفراد واحلال اصول معرفية جديدة بدلا عنها
وقد
اثرت في القيم عبر التنشئه الاجتماعية, ففي كل مجتمع هناك مؤسسات تقوم بتنشئة الأفراد
وتثقيفهم وتعليمهم السلوك المقبول اجتماعيا و تزويدهم بالمعرفة و العقائد والقيم التي
تشكل هويتهم الثقافية والحضارية في البيت والمدرسة ومع التوسع الهائل لوسائل الإعلام
تضاءل دور مؤسسات التنشئه الأساسية في البيت والمدرسة وأصبحت وسائل الإعلام صاحبت الدور
الأكبر المسيطر في عملية التنشئة الاجتماعية
فالكثيرا مما نسمع اونقرأ او نشاهد في وسائل الإعلام لا يخلو من هدف فالرسالة
الإعلامية سواء كانت في شكل خبر او فكاهة او برنامج وثائقي فإنها تحاول أن تعمل على
إزالة قيمة من القيم وتثبيت أخرى محلها وترسيخ شي قائم والتصدي لآخر قادم ,ولا يمكن
التحكم في السلوك البشري من خلال عامل واحد فقط وإنما يحدث نتيجة عوامل متعددة ومهما
كانت اسباب تغيير السلوك فإن لوسائل الإعلام دورما يزيد أو ينقص في احداث التغيير والتأثير بشكل عام
وذلك حسب متغيرات البيئة و المحتوى و الوسيلة أو الجمهور والتفاعل ([7])
اضحى
الاعلام الرقمي حاضرا في جميع مفاصل حياتنا اليومية حتى اصبح مصدرا اساساً
لمعلوماتنا, يصنع أراءنا، ويغدي خيالنا، ويعيد تشكيل واقعنا فترك الى جانب
ايجابيته أثاراً خطيرة على المستويين الفردي والجماعي ليشكل ظاهرة تهدد منظومة
القيم والاخلاق السائدة فضلا عن اثاره المستقبلية وهو ما دفع لضرورة البدء
بإجراءات لتحصين النشء وتربيتهم على استثمار وسائل الاتصال الرقمي وتجنب مخاطرها
عبر تطوير مهاراتهم ونشر المبادئ التي تقودهم لاكتساب الحس النقدي الايجابي الذي
ينأى بهم عن التعاطي السلبي معها، لذا فان التربية الاعلامية الرقمية ليست ترفاً
بل هي موضوع ملح وضرورة قصوى في ضوء ما تمر به مجتمعاتنا من تحديات ومخاطر ([8]) .
لقد اطلق
على الجيل الحالي جيل الجوجل اوالمواطنين الرقميين الأصليين الذين نشأوا في عالم تسيطر
عليه تقنية الإنترنت التي وفرت لهم فرصا غير مسبوقة للمشاركة في العالم المحيط بهم
والاندماج فيه و هناك تسليما بأن هذا الجيل يمتلك المهارات الرقمية اللازمة والتي اكتسبها بشكل فطري إلا أن هناك ادلة تشير إلى وجود فجوة
تقبع بين مهارات هذا الجيل كما يتصورونها هم وبين قدراتهم الحقيقية في الإبحار في هذا
الفضاء بشكل آمن وذي مغزى
ومن ناحية أخرى فإن النظر إلى هؤلاء المستخدمين الصغار
بوصفهم متمكنين من الناحية الرقمية يؤدي الى اغفال احتياجهم الى التوجيه وغض الطرف
عن مهارات مهمة يلزم إكتسابهم اياها لتمكينهم من تلبية احتياجاتهم المعلوماتية وفهم
معايير البيئة الرقمية بشكل أفضل و للأسف فمن الملاحظ أن التعليم الذي يتم توفيره في
هذا الإطار هوتعليم يركز غالبا على المهارات الوظيفية والعملية مثل استخدام برامج الحاسوب وتصفح شبكة المعلومات
إلا أن الثقافة الرقمية الفاعلة لابد أن تشمل مهارات اوسع والتي تعزز مشاركة النشء
الاجتماعية والثقافية في المجتمع الرقمي ([9])
يتضح لنا
مما تقدم ان للتربية الاعلامية الرقمية مكانة واضحة المعالم في حياة الافراد سيما
بعد التطورالتكنلوجي والطفرات التقنية الهائلة لاجهزة الاتصال بأنواعها وامكانية
اقتنائها من قبل افراد المجتمع اذ استطاعت تحقيق اهداف وغايات مختلفة ومتنوعة عن
طريق التدفق الهائل للمعلومات من جهات لاتحكمها اية انظمة او قوانين تحدد المحتوى
الاعلامي وفق منهج متفق عليه , وقد ساعدها بذلك البنية الاعلامية الثقافية لهذه
المجتمعات التي قد تكون دون المستوى المطلوب للتصدي لبعض المفاهيم والثقافات التي
ينقلها المحتوى الرقمي بأستخدام الكلمة والصورة الثايتة والمتحركة والرسوم
والمخططات في ترك الاثر والسلوك المطلوب في المجتمعات سيما ذلك الاثر في الفئات
العمرية الاصغر عمرا التي لاتعير اهمية للمحتوى بقدر عنايتها بمهارات استخدام هذه
التقنيات الجديدة ومواكبة تطورها .
([2]) ريهام سامي, " مهارات التربية الاعلامية الرقمية لدى طلاب
الجامعات" المجلة العربية لبحوث الاعلام والانصال, ع26, ايلول 2019م’ ص197 - 198
([3])أمجد على الراضي، التعلم الإلكتروني، (عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع، 2010م ) بواسطة مبارك بن واصل الحازمي "مستقبل الاعلام التربوي في ظل التحول الرقمي " مجلة بحوث التربية النوعية, مج2022 , ع67 , مايو 2022, ص1238.
([4])محمود عبد العاطي مسلم واخرون " تنمية الوعي بالتربية الاعلامية في ضوء المعايير الاكاديمية "بحث مستل من رسالة دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية, مصر جامعة بنها 2017م ص12 -13
([5]) علي
احمد بوبشيت "التربية الاعلامية في العصر الرقمي",
مستقبليات تربوية, مج4, ع3, ايلول2019م, ص13.
([7])سليمان
الطعاني, الوجيز في التربية الاعلامية, (عمان: دار الخليج للنشر والتوزيع, 2019م),
ص36 37 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق