آخر الأخبار

2022/10/31

تكنولوجيا الاعلام الرقمي وانعكاساتها على الاسرة والطفل

 

 اعداد طالب الماجستير/ سامر عطية عليوي

مقدمة

 من خصائص الإنسان أنه اجتماعي بطبعه، فمنذ وجوده على وجه الأرض وهو يتحرك بمحركات تحركه، منها محرك القيم، حيث يحدد عَلاقاته مع غيره، وقد يكتسب الطفل قِيَمه منَ الأسرة، ثم المدرسة، ثم المجتمع في الماضي، وأصبحت هناك بدائل لهذه المؤسسات الاجتماعية، بل وتراجعت هذه المؤسسات بدرجة كبيرة، وحلَّ محلَّها أجهزة التكنولوجيا في تربية الأبناء.

ما يلفت الانتباه في العلاقات في الوقت الحاضر بين الأفراد، هو استعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة في إيصال أية رسالة مهما كان نوعها، حتى أصبح الأفراد غالبا لا يتواصلون عن طريق الفم مباشرة، وإنما يستخدمون وسائل اتصال حديثة، مثل الانترنيت، الهاتف النقال-الذي أصبح عاهة تقريبا- ، وذلك دون مراعاة أية عواقب صحية ولا نفسية اجتماعية على الفرد.

 بالرغم من أهمية هذه وسائل الاعلام الحديثة  في إيصال المعلومة إلى  أبعد نقطة ممكنة في أقرب وقت ممكن، لكن لا يمكن نسيان من جهة أخرى أن لهذه الوسائل التكنولوجية جانبا سلبيا يعود على العلاقات، سواء كانت في الأسرة أو في المجتمع، والسؤال المطروح : ما طبيعة الاتصال داخل الأسرة؟ وهل هذه الوسائل تعود دائما بالفائدة أم هناك عواقب جمة تعود على الفرد في الأسرة؟ ([1])

·         الأسرة والتكنولوجيا:

لو قارنا الأسرة القديمة والحديثة، للفت انتباهنا في مجال الثاث المنزلي، فنجد عند الأسرة القديمة التي كانت تعتمد في تأثيثها على أثاث تقليدي من اللوح والخشب والبلاط، وغيرها من الأثاث المزركشة الجميلة، أما عند الأسرة الحديثة التي تعتمد على تأثيثها بأحدث التكنولوجيات الرقمية، كما يلفت الفرق الموجود بينها، إذ تتميز الأسرة القديمة بنوع من الدفء وحنان الجدة وحكاياتها الجميلة، على غرار الأسرة الحديثة التي تتميز بنوع من الجفاء، إذ حلت الأجهزة التكنولوجية محل حكايات الجدة، إذ أصبح التلفزيون هو الذي أصبح الحاكي والأسرة ملتفون حوله، وإن لم يكن لكل فرد في الأسرة جهاز تلفزيون وهوائي فضائي خاص به، وأصبحت القنوات التلفزيونية هي المسيطرة على الجو العائلي الدافئ، بحيث أصبح هذا الجهاز يسرق الكلام من كل أفراد العائلة، إذ كل واحد يغوص في البرامج المتلفزة.

لم يصبح اقتناء بعض وسائل التكنولوجيا من الكماليات أو مظهرا من مظاهر التحضر والحداثة عند البعض، بل بلغ هذا التملك درجة الهوس، إذ أصبح بمعدل جوال لكل فرد، لصيق به لا يفارقه في حله وترحاله، مكالمات ورنات لا تنتهي، رسائل قصيرة، لا يتوقف عن كتابتها، وأرقام يقوم بتركيبها اعتباطيا لنسج علاقات جديدة خارج المحيط العائلي.

يمكن القول أن الأمر تعدى ذلك من خلال ظهور ظاهرة التباهي بالأجهزة التكنولوجية والتفاخر بها، إذ يسعى كل فرد إلى اقتناء آخر ابتكارات عالم التكنولوجيا التي تعتبر من أروع و أدهش مااخترعه العقل البشري. لكن من بين النتائج المحيرة للانتشار المذهل لوسائل الاعلام المختلفة، هي أنها عملت على تقريب المتباعدين و ابعاد المتقاربين عن بعضهم البعض.

أصبحت هذه التكنولوجيا لا تهدد التواصل في الأسرة فحسب، وإنما تهدد العلاقات الاجتماعية أيضا، حيث يتم استعمال الأجهزة لأغراض الإساءة من طرف بعض الأفراد الذين تنعدم عندهم الأخلاق الإنسانية، بهدف التهديد أو الابتزاز أو انتقاما أو استهتارا، مما يعرض أصحابها على مجالس قانونية.

أما الآثار التي تظهر على الجانب النفسي للأفراد، ظاهرة الإدمان على الأنترنيت، بحيث بينت الدراسات النفسية أن الأفراد الأكثر تعرضا للإدمان على الأنترنيت هم هؤلاء الأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية، والفشل على إقامة علاقات إجتماعية طبيعية مع الآخرين، ، والذين يُعَانون من مخاوفَ غامضةٍ، أو قلة احترام الذات، الذين يخافون من أن يكونوا عُرْضَة للاستهزاء، أو السخرية من قِبَل الآخرين، هؤلاء هم أكثر الناس تعرضًا للإصابة بهذا المرض؛ وذلك لأن العالم الإلكتروني قدَّم لهم مجالاً واسعًا لتفريغ مخاوفهم وقلقهم، وإقامة عَلاقات غامضة مع الآخرين، تخلق لهم نوعًا من الأُلْفة المزيَّفة، فيصبح هذا العالم الجديد الملاذَ الآمِن لهم، من خشونة وقسوة عالم الحقيقة - كما يعتقدون - حتى يتحول عالمهم هذا إلى كابوس يهدِّد حياتهم الاجتماعية والشخصية للخطر.

وما يلاحظ عند مدمني الأنترنيت هم أفراد مدمنين على آفات اجتماعية أخرى مثل: التدخين، إدمان الخمر، إدمان المخدرات، العدوانية... إلخ، وتظهر هذه لآفات الاجتماعية خاصة عند فئة المراهقين الذين حلت الوسائل التكنولوجية مكان الأبوين، والتي يتلقون تربية منها، لكثرة مكوثهم أمام هذه الأجهزة والتفاعل معها، لكنَّ التعامل مع هذه الأجهِزة يِضعف عَلاقة الأبناء بوالديهم، وتنتشر أمراضٌ نفسية بينهم، مثل: الاكتئاب، وحب العزلة، والانطوائية، وتَقِل قابليته على قبول قيم المجتمع، وثوابت الدين، ويحل محلها قيم روَّاد ومُستخدمي أجهزة التكنولوجيا.

 

·         وظائف وسائل التكنولوجيا:

تكمن وظائف التكنولوجيا بالنسبة للأفراد في ما يلي: ([2])

1- مراقبة البيئة أو التماس المعلومات، سواء تم البحث عنها بوعي أم دون وعي، وغالباً ما يكون استخدامنا للمعلومات لتحقيق هدفين الأول توجيه سلوكنا، فهي ترشدنا إلى التصرف على نحو ما في كثير من المواقف، وثانيها توجيه فهمنا لجعلنا أقل قلقاً وأكثر فهما.

2- تطوير مفاهيمنا عن الذات: لأنها تساعدنا على فهم أنفسنا وفهم العالم من خلال :

أ‌-       استكشاف الواقع من خلال وسائل الإعلام.

ب‌-   عقد مقارنات بين أنفسنا والآخرين.

ت‌-   المساعدة على تجويد مهننا المختلفة.

3- تسهيل التفاعل الاجتماعي من خلال تزويدنا بالأشياء التي نتحدث عنها ونمارسها، وتزودنا بأرضية مشتركة للمحادثات، وغالباً ما نتلقاها دون وعي كامل منا.

4- بديل للتفاعل الاجتماعي، أثبتت دراسات عدة حاجة الإنسان للصداقات التي تزداد

الحاجة لها عند الناس الذين يعيشون بمفردهم (بعزلة) فنرى بعضهم يتحدث ويصافح نجوم الإعلام كما لو أنهم يعرفونهم سابقاً.

5- التحرر العاطفي والاسترخاء والترويح عن النفس والمتعة والاستثارة والتخلص من الملل والعزلة.

6- الهروب من التوتر والاغتراب.

7- خلق طقوس يومية تمنحنا الشعور بالنظام والأمن.

ومع ظهور التكنولوجيا الجديدة التي بدأت تنتشر منذ النصف الثاني من القرن العشرين والى يومنا هذا ولا تزال  تتطور ميزت الإعلام والاتصال بمجموعة سمات، لابد أن تجد صداها في الدور الوظيفي للإعلام والاتصال في العصر الرقمي . 

·        استخدام الاطفال و المراهقين لوسائل الاعلام المختلفة:

ان انعزال المراهق عن الاخرين و اتخاده لجهاز الكمبيوتر رفيقا له، فان ذلك يشجعه على العزلة و الوحدة الاجتماعية و يقلص من دائرة  التفاعلات الاجتماعية، كما يعرقل النمو النفسي الاجتماعي للطفل الذي يرتكز اساسا على الاشخاص المحيطين به و كذا تعزيز القيم الاجتماعية، فينغمس  المراهق و الطفل فـــــي الخيال و العالم الافتراضي و تصبح كل الافكار و المعتقدات مجردة وهمية تبعدهم شيئا فشيئا عن العالم المادي الواقعي.  ([3])

·        تفعيل الإعلام في خدمة التربية:

 يعمل الإعلام علي خدمة العملية التربوية التي تتم داخل أو خارج الأسرة وذلك بشكل قصدي ومنظم، بغض النظر إذا ما كانت مشاركة الإعلام في العملية التربوية كانت تأثيراتها إيجابية أم سلبية ـ وهو الأمر الذي سنتطرق إليه خلال البند الثاني في هذه المقالة، لكن ما يهمنا هنا إن نتفق أولا علي إن للعملية الإعلامية تأثيرا مباشرا وكبيرا علي التربية ،تلك التربية التي تتم في داخل أروقة البيوت أو في المدارس ، يعمل الإعلام علي نقل تجاربَ ناجحةٍ في التربية ظهرت نتائجها الإيجابيّة، وذاع صيتها، بهدف الاستفادة بما هو صحيحٌ  وإيجابيّ وذلك للاستفادة منها في الحياة، والعمل علي بناء الفرد معرفياً، وسلوكياً، وقيمنا، وذلك يعدُّ منطلقاً ومرتكزاً أساسيّاً علي المهام الأساسية التي تقوم بها العملية الإعلامية في بناء المجتمع ، ولعلّ تلك الميزة التي يتمتّع بها الإعلام يفتقدها غيره من المؤسسات الأخرى من حيث كونه يصل بسرعة كبيرة لأكبر عدد من المستقبلين بغض النظر عن الفروق في العمر وفي النوع ،و في المستوي التعليمي في الهوية الثقافية ،فيتسرب داخل المجتمع بسهولة ويسر ـ فإذا ما كان صالحا فيعمل علي  تيسّر سبل نقل الرسائل التربوية، ويكن له الدور الهام المنوط به ، وإذا ما كان غير صالحا فسيكون له أثرا عكسيا غير محدود التأثير ، يبدأ بالفرد، مروراً بالمجتمعات، وانتهاءً بالأمّة، وعليه تري الباحثة انه من الهام أن نركز علي   الكيفيّة  التي يصاغ بها الخطاب الإعلاميّ التربويّ، وكيف يمكن إن يوظف الإعلام رسالته لخدمة العملية التربويَّة ولنبدء أولا بتفحص ذلك الدور والتأثير علي شريحة هامة وأساسية وهي الطفل والأسرة . ([4])

حيث يعيش طفل اليوم عصر العولمة والإنترنت والقرية الصغيرة، وعصر التغييرات السريعة، وبالتالي فهو يواجه العديد من التحديات والصراعات، بداية من صراع الثقافات واللغات، وانتهاءً بالصراع من أجل البقاء، أو توفير الحاجات الأساسية، ويتعرض مجتمعنا منذ حوالي عقدين من الزمان لانفتاح إعلامي مكثف، عبر الأقمار الصناعية، وشبكات الإنترنت، تزيد من مسؤوليات الإعلام العربي للحفاظ على الهوية الثقافية والقيم والعادات والتقاليد والمُثُل للمجتمع بشكل عام، وللأطفال على وجه الخصوص، خاصة في ظل التغير الذي أصاب الأسرة العربية بنائيًّا ووظيفيًّا كنتيجة للتغير الاجتماعي العام الذي أدى إلى نقل العديد من مسؤوليات التنشئة الاجتماعية للطفل إلى مؤسسات أخرى، وتراجع دور الأسرة الإيجابي تجاه أطفالها،

 ويبرز أهمية الدور الذي يقوم به الإعلام وما يمكن أن تقدمه برامجه من أسس تربوية ونفسية مستخلصة من آراء وتوجهات الخبراء والمتخصصين، وما انتهت إليه الأبحاث العلمية في مجالات علم النفس والاجتماع والتربية والإعلام من نتائج يمكن أن تقدم قوالب محببة إلى الطفل؛ وذلك انطلاقًا من تأكيد كافة الدراسات العلمية على حرص الطفل على متابعة الإعلام عامة، والتلفزيون بوجه خاص. ([5])

 

 



([1]) وسائل التكنولوجيا الحديثة و تأثيرها على الاتصال بين الاباء و الابناء، مقالة منشورة على موقع جامعة قاصدي مرباح / ورقلة، https://manifest.univ-ouargla.dz/en/

تاريخ الزيارة 9/10/2022 .

[2])) حسن عماد مكاوي، ليلى حسين، الاتصال ونظرياته المعاصرة، ط 3  (القاهرة:  الدار المصرية اللبنانية،2002)،ص106.

[3])) وسائل التكنولوجيا الحديثة و تأثيرها على الاتصال بين الاباء و الابناء، مقالة منشورة على موقع جامعة قاصدي مرباح / ورقلة، مرجع سابق .

([4]) ينظر الى الرابط : https://iacademyap.com/socialkids/ تاريخ الزيارة 9/10/2022 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق