آخر الأخبار

2016/11/18

عزوف الطلبة عن التعليم




لا أحد يستطيع إقناعي بمسألة حب الأطفال للمدرسة، فالمدرسة عند الغالبية وخاصة الطلبة الجدد هي كابوس لا يقوى على التخلص منه إلا بالعطل والأعياد، وما أن يحل اليوم الثاني لبداية دوام وتحضير دروس حتى تلازم الطلبة الكآبة وكثرة (الصفنات ) وربما التفكير بمراوغة أو حيلة للتملص من الدوام، ومع مرور الأيام يكبر هذا الهمّ ،حيث ينظر معظم الطلبة للمدرسة وكأنها سجن كبير حتى لمن تجاوز مرحلة المتوسطة ، هذا يجعلنا نقف مع أنفسنا لنتساءل عن السر في عدم رغبة الطالب في إكمال تعليمه ، هل تعود تلك الظاهرة للطالب نفسه أم للصحبة المرافقة له أم أن أسلوب التعليم والتعاطي مع الطلبة أسلوب خاطئ 

المنحة المالية هي الحل
يعزو محمد عبد الله وهو مرشد تربوي هذا الأمر إلى الحالة الاقتصادية وسوء الأوضاع الأمنية ويقول : لأن بعض الطلبة حينما يستمر بدراسته ويكبر يجد نفسه أمام أمرين لا ثالث لهما ،هما إما الاستمرار وبذلك يكون عبئا على عائلته خاصة مع المتطلبات الجديدة من الملازم وموضة الملابس والإكسسوارات والأجهزة أو يترك كل ذلك ويذهب للعمل في أماكن لا تلائم أبسط حقوق الإنسان ،كمهنة الحمالة أو دفع العربات لكي يعيل أهله ولا يكون عالة عليهم ،هذا إذا ما استثنينا البعض من الميسورين الذين يوفرون فرص الدراسة والنجاح لأبنائهم بكل الطرق ومساعدتهم على النجاح . ويرى عبد الله أن أبسط الحلول هو تشريع قانون يتيح توزيع مبالغ ماليه على طلبة المدارس كي تكون عونا لأهالي الطلبة ، وما سمعته أخيرا من أن البرلمان خصص مبالغ للطلبة من الميزانية، فهذا أمر جيد ويحد من ظاهرة العزوف عن الدراسة .
ليس لديهم ما يخسرونه بينما يرى حسام كاظم (موظف) غير مايراه محمد عبد الله، فهو يعتقد أن الأوضاع المعشية الجيدة وانفتاح السوق على العالم ودخول بضائع من شتى بقاع الأرض، جعلت من الحياة عند هؤلاء الشباب سهلة جدا ،لأنهم لم يمروا بما مر به آباؤهم أو حتى قريبون منهم كبار في العمر، ويؤكد حسام بالقول : في الماضي كنا نعاني وكان الوضع الاقتصادي صعباً جدا بكل ماتصوره هذه الكلمة لكننا كنا نكافح من أجل الحصول على نتائج جيدة ، كانت الفرحة بالنجاح ترتسم أولاً على وجوه الآباء والأمهات وكانوا يفرحون أكثر منا لأنهم كانوا يعانون في سبيل هذا النجاح ، كان أمامنا هدف واحد لا غير هو الحصول على الشهادة والتعين بها وإعانة العائلة ، حتى العطلة الصيفية كنا نستغلها بكل قسوتها من الحر لنذهب نبيع الماء أو المثلجات كي نأتي بنقود إلى أهالينا ، أما اليوم فالشباب يجدون بأن لاشيء يخسرونه إذا ما رسبوا أو حتى عزفوا عن الدوام، فلا جبهة حرب تنتظرهم ولا جوع . ويختتم حسام حديثه بالقول بأن الأسرة التعليمية في السابق حينما كانت تعاقب واحدا منا فمن المستحيل أن يذهب أحد أولياء الأمور إلى المدرسة ومعاتبة المعلم لأن آباءنا كانوا يجلّونه ويثقفونه باستمرار بأنه مربٍّ فاضل .

المعلم بين الأمس واليوم
لاشك أن مكانة المعلم في المجتمع العراقي تحظى بالاحترام والتقدير، وهي مكانه اكتسبت احترامها بسبب دورها المؤثر والكبير في خلق جيل متعلم كما يقول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) : "من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم" مما لاشك فيه أن للمعلم يداً بيضاء في بناء الإنسان وبناء الحضارة ، فالمعلم من يعد الطبيب الناجح ، والمعلم من يصنع المهندس الباني ، والمحاسب الماهر ، والوزير اللامع ، فالمعلمون بأيديهم يصنعون رجال الأمة ، وعظماء التاريخ . يقول مدرس الرياضيات عبد المنعم حمادي : لا يمكن المقارنة بين المعلم في السابق والوقت الحالي من كل النواحي ،فمن الناحية العلمية إمكانات المعلم في السابق غيرها في الوقت الحالي والسبب يعود لطريقة الانتقاء والتعليم .‏ والسبب الرئيسي الذي أعزوه لتدهور العملية التربوية هو غياب الرقابة والمحاسبة للمقصرين ورفع يد المعلم عن الطالب جعلت الطالب يتمادى على معلمه .‏ والجيل السابق من المعلمين يؤكد على أهمية الضرب ،لأنه يفيد في التعليم والتأسيس يجب أن يتم في المراحل الأولى لأن العملية التربوية باتجاه خط الصفر .‏ بينما يورد الأستاذ محمد الساعدي وهو (معلم) أمثلة كثيرة على عدم قدرة المعلم على أن يكون سبيلا لنجاح الطالب حيث يقول : هناك أسباب كثيرة أدت إلى تباطؤ العملية التربوية وانحدارها، ولهذا عدة أسباب، أهمها أن شخصية المعلم في الصف لم تعد كما في السابق ،فالمعلم اليوم الذي يوبخ الطالب يتعرض إلى المساءلة ،إما من إدارة المدرسة أو أهل الطالب ،حيث صار الطالب بإمكانه التغيب أو الخروج من الصف بدون استئذان ، وللأسف الشديد نجد أن التعليمات التي تردنا بخصوص معاملة الطلبة تقيدنا وتجعلنا في واجهة المسؤولية، حيث صار للطالب الآن أكثر من جهة تدافع عنه حتى وإن كان على خطأ 

غياب دروس الرياضة والرسم
كرار مؤيد طالب في الصف الثالث المتوسط وصل إلى هذا الصف بشق الأنفس والتعب، فهو شاطر جدا ودرجاته التي اطلعت عليها تقارب التسعينات والثمانينات، وحينما سألته عن سبب ضجره وعقدته من المدرسة أطرق رأسه بخجل ثم قال : ليس فيها شيء يجعلك تحبها من الدرس الأول وحتى الدرس الأخير كلها دروس وواجبات ،وما أن ينتهي درس لنحصل على فرصة خمس دقائق حتى يفاجئنا الدرس الثاني دون حتى أن نشتري شيئا من الحانوت أو نلتقي أصدقاءنا في الصفوف الأخرى ، حينها سألته عن دروس الرياضة والرسم التي يستطيع الطالب من خلالهما ممارسة هوايته، فضحك وكل من حولي وكأنهم يصفوني بصفة ذميمة ،حيث قال لي أخوه علي مؤيد الذي يدرس معه في نفس المدرسة :أين هذه الدروس هي موجودة فقط في الجدول وحينما يأتي درس الرياضة تأتي إما مدرّسة الإنكليزي أو معلم الرياضيات ليكمل الدرس كذلك مع درس الرسم ، فقلت لهم وماذا عن الحاسبات؟ فقالوا لي بين مدرسة ومدرسة وحسب المزاج ،وكل شعبة لها حاسبة واحدة ،والشعبة مكونة من أربعين طالباً ،وحينما يصله الدور يكون الدرس قد انتهى .. أنا أجد أنهم في هذا القول هم أصحاب الحق ومهما كانت تبريرات التربية أو المدارس فهي غير صحيحة لأني شاهدت غياب هذه الدروس ولاحظت انزعاج الطلبة من جدول الدروس الذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحا وينتهي عند الثانية بعد الظهر، وهذا برأيي كثير جدا على طلبة بهذه الأعمار وأتمنى على وزارة التربية إعادة النظر بتوزيع حصص الرياضة والرسم واعتبارها دروسا أساسية ومهمة وتخضع للتفتيش من قبل المشرفين مباشرة 

التسرّب من المدرسة
يدفع إلى الجريمة إن هذه الظاهرة نجدها لدى الشباب أكثر منها لدى النساء وذلك لرغبتهم بالعمل من أجل الحصول على المال لتلبية احتياجاتهم وملابسهم التي قد يعجز الأهل عن تلبيتها لهم .هذا ما تحدثت به الباحثة الاجتماعية (خ.م) ،وتقول :وعلى سبيل المثال الحاجة إلى امتلاك سيارة وموبايل فخم متطور وملابس ذات مناشئ عالمية ، هم يشاهدون أناساً ميسورين ويطرحون سؤالهم المثير للجدل دوما (لماذا) ويعني به لماذا هو هكذا ،ولماذا أنا بتلك الحالة حتى يصل الأمر إلى مصاحبة أصدقاء يتطور الأمر معهم شيئا فشيئا باللجوء إلى الجريمة ،وليس بالضرورة أن تكون الجريمة المنظمة ولكن ربما تكون أول الطريق للسير بها نحو الجريمة المنظمة ،بينما نرى طلبة آخرين يمارسون دورهم في التألق والنجاح وتستمر مسيرتهم في الدراسة يدفعهم بذلك التطلع إلى المستقبل وعدم استراق فرص ليست لهم ،وهؤلاء هم من يتمكنون في النهاية من الوصول إلى الهدف وبلوغ الغاية بعيدا عن كلمات الإحباط وتجارب ممن يحملون شهادات ولم يتعينوا لأنهم لو استمعوا إلى هذا الكلام سيقفون في صفوف طويلة عريضة بانتظار أن تأتي الفرص إلى أحضانهم دون جهد أو مثابرة في البحث عن فرصة عمل تكبر مع الأيام .
مررت بتلك الظروف وتغلبت عزوف الطالب عن الدراسة كلمة تلمس واقعنا رغم قسوتها وهي دليل التخلف والجمود الذي يصيب المجتمع عندما يبتعد أفراده عن التعليم ويصبح التعليم شيئا ثانويا ، ويكمل السيد نوري حسن مشرف تربوي بأن ضعف المناهج التدريسية وقلة الخبرة التربوية الرصينة والسذاجة في بعض المناهج التي يشعر معها الطالب بأنها لا تضيف له شيئا هي سبب مهم من أسباب عزوف الطالب عن الدراسة ،أضف إلى هذا أن العلاقة بين الأستاذ والطالب لم تعد علاقة تبادل احترام ومهابة ،بل صارت بفعل ما حل بالمنطقة أسرها من ديمقراطيات قلبت بنية المجتمع على عقب صار الطالب لايهاب الأستاذ ولا يجده كما كنا نراه في السابق طودا شامخا ونبراسا نحاول نيل رضاه بالدرجات العالية والتحضير المسبق للدروس . نجاة محمد معلمة ابتدائية تقول :مررت بتجربة ترك الدراسة لفترات متباعدة وأعرف حجم تأنيب الضمير الذي يلازم الطالب ، إلا أنني كانت لي أسبابي ،فقد توفي والدي وهو المعيل الوحيد للعائلة وبقيت أنا وأمي، فغياب أحد الوالدين يشعر الطالب بالخيبة في كل شيء، وهنا يكون دور الأم أو الأب دورا مساعدا في تذليل ألم هذه الذكرى الأليمة ،وبالفعل تغلبت عليها بفعل إصرار والدتي على الاستمرار في الدراسة ، وتؤكد نجاة أن دور الأهل كبير جدا للحد من ظاهرة عزوف الأبناء عن الدراسة ، وذلك من خلال مراقبتهم وزيارة مدارسهم بين الحين والآخر والتعرف على أصدقائهم، وكل هذه الأمور تسهم في لجم رغبتهم بترك الدراسة 

الدروس الخصوصية
أرجع الطالب سلام محمد، هروب الطلبة من المدارس إلى عدة أسباب، منها انعدام وغياب الصدق لدى الكثير من المعلمين في شرح الدروس، لإجبار الطالب على الدروس الخصوصية، وعدم الاهتمام بالأنشطة المدرسية. وأيضا اضطهاد المدرسين للطلبة، إضافة إلى استياء الطلبة من المناهج الدراسية، لأنها تحتوي صفحات حشو لا تهم الطالب في شيء. وقال الطالب محمد شدهان ، إن سبب هروب الطلبة من المدارس يرجع إلى رغبة البعض في الجلوس على محال النت والمقاهى والبلاي ستيشن، لأنه يعتبر وقت المدرسة بمثابة الوقت الترفيهي. بينما اعتبر مصطفى صلاح، أن سبب تسرّب الطلاب من المدرسة ، هو عدم دخول المدرسين الصف والتحدث كل الوقت عن الدروس وصعوبتها وأنه ما من حل إلا باللجوء إليه في الدروس الخصوصية التي تكلف مبلغا كبيرا وإذا لم تطعه في طلبه فلن يعطيك أية معلومة مفيدة في المدرسة ، ويقول لنا باستمرار : لكي تنجح عليك إن تسجل عندي في الدروس الخصوصية خارج المدرسة، لذلك نلجأ إلى الخروج من المدرسة وعدم حضور الدروس، وفي أغلب الأوقات يكون باب المدرسة مفتوحاً فنستطيع الخروج بسهولة. الحلول سهلة وميسّرة بينما ترجع سلمى النعيمي (موظفة) عزوف الطلاب عن إكمال تعليمهم إلى البيت والمدرسة في آن واحد ، ففي المدرسة قد يتعرض ذلك الطالب إلى التعسف في التعامل من قبل إدارة المدرسة أو من بعض الأساتذة مما يؤثر على حبه للدراسة وإكمال تعليمه ، وتكمل السيدة سلمى بقولها بأن المدرسة لم تعد ملاذ الطالب ولم يعد هناك وجود للسفرات الترفيهية التي كنا نقوم بها سابقا وهم بذلك قد يراعون الوضع الأمني وخوفهم على المجاميع التي لا يمكن السيطرة على تصرفاتها ، وتختتم قولها بأن الحلول متاحة ومتوفرة وسهلة جدا وهو نقل كل ما يحبه الطالب إلى المدرسة ،كالكومبيوتر والأجهزة الأخرى التي يستمتع بها وإعادة دروس الرياضة لأنها تشجع روح المنافسة وتنشط عقل وجسم الطالب الخامل من الدروس الثقيلة .. ربّما ولكن ربما تكون كل تلك الإجابات التي استمعنا إليها من الطلبة وأوليائهم وعدد من المشرفين تقترب من الحقيقة بنسب كبيرة إلا أننا أغفلنا جانباً مهماً وكبيراً في موضوعنا هذا وهو أن التربية كمؤسسة معنية بالطلبة ومراحلهم الأولية يغيب عن العاملين فيها أن العالم يتطور وأن الحياة لم تعد تقف على كان وأخواتها رغم أنها من الأساسيات، ولكننا إن بقينا عندها فكأننا نسابق طائرة نفاثة بعربة حصان ! المناهج والأسلوب عامة بحاجة إلى تحديث شامل يراعي كل ما يحصل في مدارسنا 

اجرى التحقيق : اوس باش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق