سوسن سعيد
حينما تخلى الانسان عن الايديولوجيات ,ورَكن الاخلاقيات جانبا ,واتجه صوب
مصالحه، ادرك مدى اهمية رأس المال على كافة الاصعدة ، فهو يجعل الافراد مسؤولين عن
مصيرهم ويسعون للاكتفاء الذاتي ، ويعد رأس المال منفذا للطموحات الشخصية حيث ان
المنافسة والسعي وراء المصلحة الخاصة يمكن ان يسمحا بخلق نظام اجتماعي متناغم
تنتشر فيه ارباح النمو الاقتصادي والكفاية انتشارا واسعا في المجتمع (حسب تعبير
آدم سميث) وتعد زيادة الثروة الاثر الاجمالي لضروب السلوك الفردية المكرسة لتلبية
الحاجات المدفوعة بالرغبة الدائمة في تحسين الوضع الشخصي والقوام الاجتماعي،
فالمال يعكس كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية والادبية
والفنية ولربما يعتقد البعض ان المال من الموضوعات الاقتصادية التي يختص بها علم
الاقتصاد حين يتحدث عن العرض والطلب ومستوى المعيشة والتضخم ومستوى الاسعار ، الا
انه من الموضوعات الهامة التي تتصل بالفرد والجماعة حيث ينظر اليه كمصدر للقوة
والنفوذ وطريقا سالكا لتحقيق الغايات والرغبات والشعور بالسعادة .
ويصح القول الشائع (العقل يحميك والمال انت تحرسه) في مواضع عديدة حيث
يعتبر مصدرا من مصادر القلق والالم والخوف حينما يعجز الانسان عن ايجاد الطرائق
والسبل التي تفضي الى كيفية انفاقه في ادارة الاعمال واشراك اكبر عدد من الافراد
بغية استفادة الفرد (صاحب رأس المال) والجماعة العاملة بمعيته وكذا الحال في
المشاريع الصغيرة والكبيرة التي تسهم في تطوير الاقتصاد ونمو الدخل القومي للدول .
والعقل هو الذي يحدد متى يتم انفاقه او ادخاره وسلطة العقل هي التي تحدد مساره،
والمال في الاعتقاد السائد لدى الناس يمثل رمزا للوقاية والحماية من تقلبات الزمن
ومعادلا للامن والاحساس بالثقة، وان قلة رأس المال تؤدي للاغتراب والتوتر وعدم
الرضا، ان هوس الثراء وحب المال قد يترك انطباعا او اثرا سلبيا على الانسان حينما
يصبح انانيا ونرجسي ويسعى الى الشعور بالكسب واخضاع الاخر والسيطرة عليه ، فاذا
كان البعض يعتقد بأن المال جالب للسعادة وانهما (المال – السعادة) وجهان لعملة
واحدة .
فان تلك السعادة هي سعادة مشروطة بالنتائج الايجابية للمال والعامل المحدد
لسلوك الفرد والجماعة ، ولسنا بصدد حب او كراهية المال ولكن ما نرفضه في المال ان
ينظر اليه باعتباره كل شيء في عالم اليوم او ما يعرف بـ (الانسان الاقتصادي) وهي
نزعة متطرفة اوجدها علماء الاقتصاد الانجليز، تعلي من شأن رأس المال وترى انه كل
شيء وان سائر الظروف والاحوال التي يمر بها الانسان لا تزيد عن كونها عوامل ثانوية
وانعكاسات للمال وهي نزعة ترى ان المال غاية وليس وسيلة، اذ ليس من المعقول ان
يصبح المال هدفا وغاية اساسية لكل افعالنا لانه في الاساس وسيلة مصاحبة لانشطتنا
وافعالنا، صحيح انه يمثل قيمة مهمة في حياتنا لكنه لا يمثل القيمة العليا التي
نعول عليها فعندما ينظر الفرد او الجماعة باعتباره غاية في حد ذاته لابد ان ينشب
الصراع والتناحر والتعارض الذي يفسد كل العلاقات الاجتماعية لانه لا يقوم على
التنافس بل يقوم على تشابك المصالح وصراع البقاء وتنازع الحياة.
وهوس المال يصاحبه الشقاء، فالكل يبحث عنه ويتربص به، ونرى المال يدس انفسه
في كل شيء مادي ومعنوي، انه السبب الرئيسي في الكثير من المشكلات التي تعاني منها
الدول ولاسيما الدول الفقيرة والمتمثلة في المديونية طويلة الامد والشروط المفروضة
عليها، وبالتالي هو السبب الرئيس في النفوذ والاستغلال والهيمنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق