من الظواهر
السلبية التي يعيشها العراق توقف المشاريع الصناعية عن العمل مما يؤثر على التنمية
في البلاد، علماً بأن بعض الدول الصناعية تعتمد أساساً في دخلها القومي على
مردوداتها من هذا الحقل المهم إلى جانب القطاعات الانتاجية الاخرى.
إن الصناعة
محركة للحياة الاقتصادية في البلاد من جوانب عدة فهي مجال لاستيعاب طاقات العمل
البشري واستثمار خيرات وثروات البلاد في الانتاج وعدم اللجوء إلى الاستيراد إلاّ
ما ندر، لذلك فأن الاقتصاديين يعتبرون القطاع الصناعي ونشاطه وتطوره هو المقياس الحقيقي
على التقدم والحداثة، كما أنه ركن أساسي في الاقتصاديات التي تهدف إلى التخلص من
النظام الريعي الذي يجعل الاقتصاد والعمل خاملين ويعتمدان على الايرادات من دون
مصادر أخرى، علماً بأن مصادر النظام الريعي قد تكون متقلبة في كمياتها وأسعارها
وكذلك احتمال تعرضها للنضوب مما يمثل خطراً حقيقياً على مستقبل البلاد.
ويعتبر
العراق من البلدان التي تعتمد على الاقتصاد الريعي الذي انعكس بأثاره السلبية على
أكثر القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والانتاج الحرفي والخدمات التي تحتاج
إلى معدات وأجهزة.
يقدّر
اتحاد الصناعات العراقية عدد المشاريع المتوقفة عن العمل حالياً بأربعين ألف مشروع
منها 80% متوقفة منذ عام 2003 وذلك بسبب العقوبات التي فرضت على العراق في
التسعينيات من القرن الماضي وسلسلة الحروب العبثية التي خاضها النظام الديكتاتوري
والتي كلفت الاقتصاد العراقي مبالغ هائلة من شراء الاسلحة والمعدات العسكرية، ومن
القروض التي لا زلنا نعاني منها لحد الآن.
ويرافق كل
ذلك ما تعانيه البلاد من مشاكل حقيقية تمس حياة الناس وخصوصاً في حقل الكهرباء
وشحة الوقود وغلاء المنتجات النفطية وارتفاع أسعار النقل مع نقص شديد في الخدمات
حتى استحالت العاصمة بغداد ومناطق أخرى في البلاد إلى ما يشبه الخرائب ومكبات
النفايات والمياه الطافحة، وكذلك اضطرار رؤوس الاموال المحلية إلى الهجرة لعدم
توفر مشجعات الاستثمار.
إن تقديرات
صندوق النقد الدولي تشير إلى أن العراق يحتل الدرجة الخامسة عربياً في معدل
البطالة التي تبلغ 18% إنعكاساً لعدم توفر الصناعة وتوقف وسائل الانتاج وخصوصاً
الأساسية التي تستوعب اعداداً كبيرة من الايدي العاملة، كما أن بعض الخبراء يقدرون
بأن ارتفاع سعر الوقود هو من أسباب ارتفاع كلفة الانتاج، مما يجعل المنتج العراقي
غير قادر على منافسة السلع المستوردة لرخصها النسبي إلى الانتاج المحلي، كما أن هذه الحالة سهّلت دخول السلع غير
المطابقة للمواصفات العالمية في الانتاج، ومع الأسف الشديد فقد أصبح العراق من
البلدان التي تروج فيها تجارة بيع السلع التالفة أو المنتهية صلاحيتها أو غير
المستوفية للشروط الصحية وأن الاسواق العراقية مليئة بالسلع الرديئة التي تكلف
المواطن كثيراً عند عطبها أو التوقف عن استخدامها بسبب المخاطر أو عدم الجودة،
وهذه الطريقة في الانفتاح الفوضوي جعلت أبواب العراق مفتوحة أمام الصناعات
الاجنبية من المناشئ المتخلفة والتي تبيع سلعها بأرخص الاثمان وبما يجعل السلع
العراقية غير قادرة على المنافسة.
إن ارتفاع
الفائدة على القروض الصناعية هي من العوامل التي لم تشجع على قيام صناعة وطنية أو
معالجة ما هو موجود من السلع، وذلك ما يجعل استمرارنا على هذه الطريقة نعتمد ونعيش
على الاستيراد الاجنبي، وهذا ما يساهم في القضاء على الاقتصاد ومجالات الانتاج
الوطني وانعكاسات ذلك على العمالة في الداخل.
إن معالجة
هذه الاوضاع تكمن في اتخاذ قرار ستراتيجي بالتصحيح، والاعتماد بشكل حقيقي على
القطاعين الزراعي والصناعي فهما أساسيان في التنمية وكذلك في تخليص البلاد من
الاقتصاد الريعي وتحويله إلى اقتصاد منتج يسد الحاجات الاساسية للبلاد.
لذلك نؤكد
بأن طريقة التنمية الصحيحة هي في تطوير الاقتصاد وتنويع الانتاج والقضاء على
البطالة من خلال تفعيل القطاعات المنتجة والارتفاع بمستوى الاقتصاد العراقي.
مصطفى سعدي البياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق