آخر الأخبار

2014/05/13

بغـداد ... مدينة السـلام

بغداد مدينة السلام, عاصمة الدولة العباسية, ذات تاريخ زاهر ومستقبل باهر وحضارة مجيدة وآثار عتيدة , وهي من المدن العالمية التي قارعت الأحداث وقارعتها , وقاومت الزمن وقاومها , ورأت مجديات التاريخ ووجوه أهل العرب وأهل السياسة ورجال العلم والفنون والكياسة ما قل أن رأته عاصمة من عواصم الدنيا وان سميت مدينة السلام , ما من مدينة من مدن العالم العربي والإسلامي انفردت بشهرة واسعة وذاع صيتها في الآفاق مثل بغداد.
 واسم بغداد كان ولا زال يرن في آذان الدهور ورسمها لا يزال متعالياً على تعاقب العصور , لقد تناول وصف بغداد عدد كبير من المؤرخين والباحثين , أرخو خططها وسجلوا هندستها وحضارتها , ووصفوا مجدها وتراثها وآثارها وأخبارها وحضارتها . وقد وصفت بغداد بأنها كانت من أعظم المدن هندسة وإحكاما والتئاماً والتصاقاً . قال الجاحظ في وصفها ( رأيت المدن العظام بالشام والروم وغيرهما فلم أرى مدينة قط ارفع سمكاً , ولا أجود استدارة . ولا أوسع أبوابا ولا أنبل نبلاً , ولا أجود فصيلاً من الزوراء وهي مدينة أبي جعفر المنصور , كأنما صيغت في قالب وكأنما أفرغت إفراغا ) .
بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام, ومجمع الرافدين وغرة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الرائف والطائف وبها أرباب الغايات من كل فن وآحاد الدهر في كل نوع ولبغداد عدد من الأسماء سماها المنصور ( مدينة السلام ) تفاؤلاً بالسلامة والأمان من الخطر والعدوان وقد تسمى ( دار السلام ) وهو اسم مقتبس من القران الكريم عن الجنة في قوله تعالى في سورة الإنعام ( الهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ) , وسميت مدينة المنصور بـ ( الزوراء ) لان الجانب الغربي من بغداد كان يسمى الزوراء في العصر الاسلامي .
 وسميت ( المدينة المدورة ) لانها شيدت على شكل دائرة وقالوا في بغداد انها ( حاضرة الدنيا) وقالوا إنها دار الدنيا باجمعها وقالوا انها ( جنة الأرض ) وقالوا إنها معبر العرب وقالوا ومدينة العلم وينبوع الآداب ومثبت الحكم , وهي المدينة العظمى التي ليس لها نظير واذا كان العراق عين الدنيا فهي عين العراق ومدينة السلام , وقبة الاسلام وهي مجمع المحاسن والطيبات ومعدن اللطائف ومعدن كل طيب . هي بغداد , أم الدنيا وست البلاد وعين العراق , ونزهة الأمصار والآفاق , بغداد عاصمة للعراق , وميراث تاريخه الفريد , مرفأ الحكمة والشجاعة وعنوان المعرفة على امتداد الزمن , والحضور الدائم في ذاكرة الإنسان .
تفنن بها الشعراء وشدت إليها الرحال من كل حدب وصوب طلباً للعلم . . بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لتكون عاصمة للدولة العباسية ومدينة السلام وجوهرة الإسلام , عامرة بالمحبة والإيمان والعطاء بغداد ألق الماضي وزهر الحاضر , ظلت صامدة على مر العصور متحدية المحن وعاديات الزمن تجدد نفسها في كل حين وتنفض عنها رماد الفجيعة ليلة جاءها هولاكو غازياً حاقداً وغادراً لإطفاء جذوة النور التي جاء بها الإسلام فطوت صفحته السوداء لتستمر رسالة بغداد إلى الإنسانية تنويراً وعقلاً لبناء الحياة وتشييد حاضرة الاسلام الموحدة رفاهاً وعدلاً لتواصل نهضتها . هذه بغداد حاضرة الدنيا , ومعدن لكل فضيلة , والمحلة التي سيق أهلها إلى حمل ألوية المعارف , ورقة الأخلاق والنباهة والذكاء وحدة الأفكار ونفاذ الخواطر والعراق بلد إبراهيم عليه السلام جعل الله تعالى خزائن علمه في أهل العراق واسكن الرحمة قلوبهم. العراق مسير حضاري قديم طويل مستديم مستمر في خدمة المدينة والعلم والفكر والإنسان ، طلعت شمس بازغة في العراق واستطال ضياؤها اللامع ونورها الساطع في الآفاق يستفاء بإشراقها ويهتدي بأضواء كلمتها تظل بغداد تتفجر بالنفحات وتتبجس بالسيوف وتنبثق بالخيرات يتهدل دوحها بأنواع الثمار وتقترب تينها عن لطائف الازهار رياضها بشوارق الانوار .
 كانت بغداد زينة الزمان والمكان وتبقى زينة الزمان والمكان يتضوع رياها ويفوح ريحها ويطيب نشرها ويسطع عرضها ويارج ندها . جمعت بغداد العلماء والادباء والدنيا والدين والاصالة والقدم والجمال والجلال وظلت بغداد تعبيراً في الشيء الجميل النفيس الثمين الرائع البديع وبغداد ملاذ الطيور المهاجرة وفي مقدمتها اللقالق التي كانت تتخذ اعشاشها على اعالي قباب المساجد والمآذن وبعض قباب الكنائس واجراسها وتظل ليالي الصيف تلقلق باصواتها التي الفها اهل بغداد وكانوا يستطيبونها ولا يضجرون منها . مدينة بهذا العمق من الحضارة والتاريخ لابد لها من ان تجتاز حاضرها الصعب المرتهن بمطرقة الارهاب الاعمى وسندان الاحتلال البغيض . وستبقى بغداد كما كانت عاصمة الدنيا ومنارة الحضارة الانسانية .


مصطفئ البياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق