آخر الأخبار

2019/12/21

نساء خلف الأضواء

بقلم : سندس أحمد محمد
تتناول العديد من وسائل الأعلام المرئي والمسموع والكثير من مواقع التواصل الأجتماعي نساء حققن الكثير من الأنجازات العلمية والأدبية والفنية ومنهم من نال الجوائز العالمية أمام كاميرات الأعلاميين وذوي الأختصاص لألتقاط الصور والحصول على الشهرة والتميز الذي قد يستحقوه بجدارة أو قد لا يستحقوه .
ولكن هناك خلف الحواجز الكونكريتيه الثقيلة نساء يعيشون عالم أخر يميزه الصبر والحرمان محاط بالحب والعطف رغم قساوة الجوع والعوز ومعاني لا توصف لواقع بسيط متهالك ولكنهن عظيمات بكل المعاني .
نار و رغيف خبز
تجرعت المر والعلقم  واليأس تلك المرأة التي صبرت على الذل والهوان وفقدان الأب والزوج والأبن ولم تنحني رغم عواصف الألم وتداعي الجسد وأختلاف المكان وأطفال جياع يبكون ولا يدركون .هناك الكثير من النساء العاملات خلف الجدران في مختلف الأعمال الشاقة لكسب الرزق الحلال لتطعم أولادها وتعيل أسرتها ولكن رغبف الخبز وتحضيره في صيف حار جدا لا يرحم أثار شجوني لمقابلتهن عن كثب لنكرم نساء لم يكرمهن أحد ولم يقدم لهن الهدايا ولكن مجلة دنيا أرادت أن تخلدهن بالكلمات ما طال الزمان .


           أم أبراهيم ..عاملة خبز تواجه حرارة التنور التي لا ترحم من السادسة صباحا حتى السابعة مساءا ولديها خمسة أولاد كبيرهم بعمر التسع أعوام يفترش الرصيف ليبيع الخبز بعد أن ترك المدرسة ليعين أمه وأخوانه الصغار .
 وفي يوم ذهبت لشراء الخبز وحين دخولي  وجدت أثار حريق لبيت الصفيح الذي يعيشون فيه ولم ار سوى ضمادات بيضاء غطت وجهها وبكيت من هول ما رأيت من أحتراق وجهها الجميل وكان أطفالها يحيطون بها ..لم أسمع منها سوى الحمد لله على كل حال ( دفع الله ما كان أعظم ) فقلت لها ماذا حل بك فقالت أم أبراهيم :
تعالت النيران من قنينة الغاز حتى تصاعد الدخان من السقيفة  وجاء الجيران والمارة في الطريق فقاموا بمساعدتنا في أطفاء النار وأنجانا الله... وأبتسمت رغم صعوبة حركة شفتيها وقالت لدينا الخبز أذا ترغبين . وفعلا كانت رأئحة الخبز الزكية تفوح بنكهتها العراقية  الأصيلة في جميع أرجاء المكان .
الأم الصغيرة
توقفت أم أبراهيم عن  أعداد الخبز لأصابتها من  جراء الحريق مما َ أضطرها لجلب أمرأة تساعدها مقابل أجرا بسيط ليكفيها قوت يومها مع أبنها الصغير وتقوم أم أبراهيم  بتقديم طعام الغداء لهم  وكأنهم من العائلة وأبنها مراد يلعب مع الأولاد فأحيانا يضربوه وأحيانا يضربهم ويأتي ليشتكي لأمه وهي تخبز على التنور لتعطيه ربع دينار ليشتري ويكف عن الصراخ والشكوى وهو يمسك بثوب أمه وهي  تمسك العجين وتخشى عليه من النار .
ام مراد  وأبنها الوحيد من أب كبيرا بالسن  له أولاد كبار وبنات متزوجات وبسبب الفقر الشديد لأهلها  تم تزويجها بفارق عمرا  تجاوز الخمسين عام وهي تقوم بخدمه أولاده جميعا  ولكنهم يضمرون الحقد لها كونها زوجه أبيهم  ودا ئما ما يشكون لأبيهم  منها  فقام بضربها وطردها ومن أجل أبنها توسلت أليه أن تبقى في البيت حتى وأن كانت غرفة صغيرة ملاصقة لمنزله و أن كان لا يعيلها وأبنها ..وأستمر الحال على هذا المنوال .
أطفال بلا تعليم
تفاقمت مشاكل العوز وتزويج صغار الفتيات خارج المحاكم  والأسرة التي غابت عنها أبسط مظاهر العيش الكريم تتحمل تبعاته شريحة كبيرة من الأطفال الذبن تركوا مقاعد الدراسة من أجل لقمة العيش  وهناك أمهات بعزيمتهمن أستطاعوا أن يربوا أجيال بأخلاق كريمة وبشهادات جامعية ولم يتركوا تعليمهم  ولكن هناك الكثير ممن أوقعه اليأس  والحرمان وأستحوذ عليه الشارع وما يترتب على ذلك من أحتمال زجهم في عصابات أو أعمال لا تليق بأعمارهم وأستغلالهم  جسديا ونفسيا .

ومن خلال متابعتي ضمن محيط تلك الأسر وجدت العفة والبساطة والطيبة والكرم  ولكني لم أرى ما يسرني لزهورا لم تتفتح تفترش الأرصفة تحت أشعة الشمس الحارقة بثغرا باسم لا يدري ما تخبئ له الأيام .
أمرأة تخشى على كرامة زوجها
تنتظر الأزدحام  ليتسنى لها وقوف المركبات لتبيع الخبز عليهم وتتنقل من سيارة  الى أخرى بزي المدرسة بتلك الصدرية الزرقاء والقميص الأبيض وحين ينطلق السير تعود لتقف قرب صبي يبيع الخضرة .
أثار انتباهي مكان وقوفها  كلما مررت في طريقي للعمل وأحيانا أشتري منها  الخبز دون حاجتي وفي يوما وقفت لشراء الخضروات فوجدتها جالسة وذلك الصبي البائع يحدثها ويضحك معها انتابني الخوف عليها وكأنها ابنتي التي لم أرزق بها أبدا وسألته :
من تكون هذه الطفلة هل هي أختك أم قريبتك؟  فرد علي متلعثما  حياءا مني هي أبنة جاري أوصتني والدتها بها فقلت له هل هي يتيمة الأب فقال البائع :لا ولكنه كان يعمل عاملا في البناء وقد سقط من علو وأنكسر ظهره وهو يلازم الفراش ولا يستطيع الحراك.
وأسترسل قائلا : لديه اربع بنات وليس لديه ولد فأضطرت الأم لأن تجعل أبنتها تبيع الخبز دون علم والدها لأنها لا تستطيع ترك المنزل وحين يسأل الأب عنها تقول له ما زالت في المدرسة وستعود بعد قليل ..

بائعة الخبز
تجلس على حافة الرصيف قرب مطعم في سوق الخضار بتلك العباءة السوداء والوجه الشاحب المتعب بصمتا وحياء ومحني رأسها للأسفل وتخفي بالعباءة نصف وجهها يعرف مكانها الجميع ومن لديه الرغبة في ( خبز البيت ) ينتظر مجيئها ويشتري منها .
تأتي بالخبز وتبيعه خلال ساعة واحدة في مكان مزدحم في سوق البياع في بغداد وتجلس على الرصيف لتبيعه وأحيانا تشتري بعض الخضروات الرخيصة وتذهب .
تعيش هذه المرأة مع أطفالها الست في بيت من بيوت التجاوز و تدفع الأيجار رغم سوء المكان فقد تدهورت حالتها المعيشية بعد ان مرض زوجها بمرض نفسي ولم تعد تستطيع الأعتمادعليه لأعالتهم وأن كان في ما مضى يبيع الشاي في ( بسطية ) على الشارع ومعروف بسيرته الحسنة وخلقه الطيب ولكن المرض لا يرحم .

مجلة دنيا تقدم التحية والأحترام

        يصبرن على الجوع يحتملن المرض يربون أطفالهم  ويبتسمون تلك صورا  لبعض النساء في مجال عمل واحد هو رغيف الخبز من أجله يعملون وبه يعيشون وبحرمانه يموتون ولم تنل أحداهن جوائز أبداع ولكن نهديهم سطور  يخلدها التاريخ لنساء ليس كباقي النساء نالوا كرامتهم وعفتهن .. وتلك أحلى الهدايا التي وهبها الله للنساء .فلك التحية سيدتي فأنت الأم التي فاح عبيرها وزاد عطرها  ( بكرصة خبز نأكله من يداها )..........


                                        



         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق