بقلم : محمد تضامن
يحيى
بالكاد تستطيع رؤيته لقصر قامته .. وهو يتراكض
من قبر الى أخر .. بملابسة المبللة.
تظهر بوضوح ملامح
التعب والانهاك على وجه محمد البالغ من العمر ثماني سنوات .. طفل بعمر الزهور ..
إستبدل مقعده الدراسي بوحشة المقابر .. لإستحصال رزقه من غسل وتنظيف قبور الموتى. محمد لم يكن الطفل الوحيد .. بل هو من
عشرات الاطفال إمتهنوا العيش بين الموتى .. لإعانة عوائلهم. محمد يلعب مع اصدقائه في المقبرة .. وعندما يرون
أحد الزائرين للمقبرة .. يتسارعون من أجل إقناعه بغسل وتنظيف القبر .. للحصول على
مبلغ رمزي من المال .. الأطفال يستجدون عطف الزائرين لعبارات عدة (( عمو على
روحة)) (( عمو اغسلك القبر )) منتظرين عطف الاخرين. يتراود محمد حلم صغير .. وهو أن يصبح ضابطا في
الجيش .. إلا أن هذا الحلم صعب المنال لمحمد ..لاسيما إن مهنته سرقت حلمه الصغير
.. وابحرت به صعوبات العيش وهو لا يعلم ..هل يعود يوما الى مقاعد الدراسة أم لا ؟
ومن المستحيل أن يسترد حلمه دون تحسن وضعهم الأقتصادي .. أو التفات جهه إنسانية
تعيد له حلمه
.. فيما كشفت
إحصائية خطيرة لوزارة التخطيط تقريرها السنوي للجهاز المركزي .. للإحصاء عن وجود
حوالي أربعة ملايين عاطل عن العمل في العراق ، وأرتفاع نسبة العمالة بين الأطفال
العراقيين مانسبته 4.9% وتتراوح أعمارهم بين 5-17 عاما حيث يضطرون الى العمل بسبب
تردي الوضع المعيشي .. بمهن لا تتناسب مع أعمارهم..
ام عماد إمرأة مسنة في العمر .. كانت جالسه عند قبر طفلها
والدموع تسيل على خدها .. جاء محمد الى تلك المرأة وغسل قبر طفلها .. ونظرت إليه
ببهجة وسرور .. شعرت بتبدد احزانها وارتياح قلبها ولو للحظة .. فسألت محمد هل أنت
في المدرسة؟ فنظر إليها وفي عيناه حزن وقال لها (( لا خالة أني ممسجل مدرسة بسبب
ظروفنا )) فنظرت إليه وأبتسمت في وجه محمد .. رغم ما تعانيه من حزن وقالت له ((
حرامات متدخل مدرسة ، لازم تتعلم وتحقق حلمك ، اني راح اتكفل بكل تكاليف الدراسة )) فهنا كان شعوره لا يوصف من فرحه
الشديد .. وقال لها (( أعدك أن أعتبر من في هذا القبر هو أخي )) الى هنا وأن أنتهت
معاناه الطفل محمد .. إلا إن معاناه عشرات مثل حاله محمد .. لم تنتهي بأنتظار من
يحمل صفات الإنسانية ويمد يد العون لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق